سورة الأحقاف - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأحقاف)


        


{وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (26)}
قوله تعالى: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ} قيل: إِنْ {إن} زائدة، تقديره ولقد مكناهم فيما مكناكم فيه. وهذا قول القتبي. وأنشد الأخفش:
يرجي المرء ما إن لا يراه *** وتعرض دون أدناه الخطوب
وقال آخر:
فما إن طبنا جبن ولكن *** منايانا ودولة آخرينا
وقيل: إن {ما} بمعنى الذي. و{إن} بمعنى ما، والتقدير ولقد مكناهم في الذي ما مكناكم فيه، قاله المبرد.
وقيل: شرطية وجوابها مضمر محذوف، والتقدير ولقد مكناهم في ما إن مكناكم فيه كان بغيكم أكثر وعنادكم أشد، وتم الكلام. ثم ابتدأ فقال: {وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً} يعني قلوبا يفقهون بها. {فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ} من عذاب الله. {إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ} يكفرون {بِآياتِ اللَّهِ وَحاقَ بِهِمْ} أحاط بهم. {ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ}.


{وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى وَصَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (27)}
قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى} يريد حجر ثمود وقرى لوط ونحوهما مما كان يجاور بلاد الحجاز، وكانت أخبارهم متواترة عندهم. {وَصَرَّفْنَا الْآياتِ} يعني الحجج والدلالات وأنواع البينات والعظات، أي بيناها لأهل تلك القرى. {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} فلم يرجعوا.
وقيل: أي صرفنا آيات القرآن في الوعد والوعيد والقصص والاعجاز لعل هؤلاء المشركين يرجعون.


{فَلَوْ لا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْباناً آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذلِكَ إِفْكُهُمْ وَما كانُوا يَفْتَرُونَ (28)}
قوله تعالى: {فَلَوْ لا نَصَرَهُمُ} {فَلَوْ لا} بمعنى هلا، أي هلا نصرهم آلهتهم التي تقربوا بها بزعمهم إلى الله لتشفع لهم حيث قالوا: {هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس: 18] ومنعتهم من الهلاك الواقع بهم. قال الكسائي: القربان كل ما يتقرب به إلى الله تعالى من طاعة ونسيكة، والجمع قرابين، كالرهبان والرهابين. واحد مفعولي اتخذ الراجع إلى الذين المحذوف، والثاني {آلِهَةً}. و{قُرْباناً} حال، ولا يصح أن يكون {قُرْباناً} مفعولا ثانيا. و{آلِهَةً} بدل منه لفساد المعنى، قاله الزمخشري. وقرئ: {قربانا} بضم الراء. {بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ} أي هلكوا عنهم.
وقيل: {بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ} أي ضلت عنهم آلهتهم لأنها لم يصبها ما أصابهم، إذ هي جماد.
وقيل: ضلوا عنهم، أي تركوا الأصنام وتبرءوا منها. {وَذلِكَ إِفْكُهُمْ} أي والآلهة التي ضلت عنهم هي إفكهم في قولهم: إنها تقربهم إلى الله زلفى. وقراءة العامة {إِفْكُهُمْ} بكسر الهمزة وسكون الفاء، أي كذبهم. والافك: الكذب، وكذلك الأفيكة، والجمع الافائك. ورجل أفاك أي كذاب. وقرأ ابن عباس ومجاهد وابن الزبير {وذلك أفكهم} بفتح الهمزة والفاء والكاف، على الفعل، أي ذلك القول صرفهم عن التوحيد. والافك {بالفتح} مصدر قولك: أفكه يأفكه إفكا، أي قلبه وصرفه عن الشيء. وقرأ عكرمة {أفكهم} بتشديد الفاء على التأكيد والتكثير. قال أبو حاتم: يعني قلبهم عما كانوا عليه من النعيم. وذكر المهدوي عن ابن عباس أيضا {آفكهم} بالمد وكسر الفاء، بمعنى صارفهم. وعن عبد الله بن الزبير باختلاف عنه {آفكهم} بالمد، فجاز أن يكون أفعلهم، أي أصارهم إلى الافك. وجاز أن يكون فاعلهم كخادعهم. ودليل قراءة العامة {إِفْكُهُمْ} قوله: {وَما كانُوا يَفْتَرُونَ} أي يكذبون. وقيل {إِفْكُهُمْ} مثل {أفكهم}. الافك والافك كالحذر والحذر، قاله المهدوي.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9